إن الراب الجزائري يتمتع بخصائص اجتماعية و
ثقافية , تجعله يختلف عن الراب في بلدان أخرى , حيث أن دخوله الجزائر لم يكن
سببه الحركة الثقافية الفنية العالمية بقدر ما هي أسباب اجتماعية و سياسية , نتيجة
للوضع الذي عاشته الجزائر في بداية التسعينيات , من انهيار على جميع الأصعدة و تلك
الأحداث الدرامية التي عاشها البلد , و هو ما أدى إلى تولد رغبة في شريحة من
الشباب في الهروب نحو التمرد الاجتماعي أو استيراد البديل بعد الانغلاق و الكبت
المعنوي الذي عايشوه طيلة تلك الفترة . التي اتسمت بالركود الشبه التام للحركة
الفنية و الموسيقية . حين لجأت الفرق التي أسست الراب الجزائري ,لهذا النوع
الموسيقي رغبة في التعبير بطريقة مختلفة و غير مبتذلة و بعيدة عن لغة الخشب .
بشخصيته المتمردة حول السياسة و المجتمع أساسا , شكلا و مضمونا . حتى أصبح الراب
الجزائري بصورة الثائر و الغير خاضع لأية قواعد يفرضها المجتمع , بمواضيعه التي
أخرجت الطابوهات إلى العلن و قول ما لا يقال . إن الراب الجزائري لم يتجرأ يوما أن
ابتعد عن أساسيات هويته الحضارية أو الثقافية , لكن ما رأيناه طيلة السنتين
الأخيرتين أمر يدق ناقوس الخطر .
حين يكون الراب و نصوصه صورة لعمق المجتمع
بجميع مكوناته , و في خضم عالم التواصل الاجتماعي الذي يجمع بين الراقي و القبيح
على حد سواء , نصبح أمام مشكلة ثقافية و أخلاقية حقيقية , و هو الترويج لصور لا
ترقى لما أسس عليه الراب الجزائري . بل الأكثر من ذلك التأثير سلبا على المستهلك
المستمع .
إن الراب الجزائري اليوم , وجد فضاءات أوسع
مما كنا نتخيله قبل 5 سنوات على الأقل , و انتشر الراب بين المراهقين كالنار في
الهشيم , و المعلوم أن المراهق هو مستهلك غير واع لأي منتوج يقدم إليه , فإن كانت
تروج له موسيقى لا تمت له بأية صلة لإرثه الحضاري و الثقافي , فتلك مصيبة حقيقة .
حسب إحصائيات قامت بها صفحة ديزاد راب , فإن
الراب في الجزائر ينتج بمعدل كليبين كل يوم خلال السنة الماضية و النصف الاول من
سنة 2014 . و ما يصنف أنه ردئ حسب مختصين ينال نسب مشاهدة أعلى من تلك التي تصنف
كمحترفة و جيدة شكلا و مضمونا . و ذلك راجع أن المستمع المراهق يلجئ للنوع الرديء
لما فيه من توجهات " ممنوعة مرغوبة " لا إردايا , بل هي صورة واقعية مما
يعانيه المجتمع المهتز أخلاقيا .
حين أصبح هم الرابر الجزائري هو الكليب و
جودة الصورة و الإبهار قبل الجانب الموسيقي شكلا و مضمونا . أصبحنا نشاهد
أشكالا تتراقص يوميا في كليبات مليئة بالترهات . بدون حضور ركحي و لا كلماتي .
بمعنى آخر أصبحت الشهرة الافتراضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي أكثر أهمية من
الحضور الحقيقي على أرض الواقع و الفعالية في الحركة الثقافية و الفنية .
إن الفنان الذي لا يعمل في الكواليس ليلا
نهارا لاكتساب المهارات الفنية و تطوير قدراته الكلماتية و التقنية , و يتوجه إلى
صناعة الكليبات كاستباق لمراحل كثيرة كان يجب أن يمر بها هو أمر يتعلق بالمستوى
الثقافي للفنان قبل كل شيء , و يؤدي به إلى التهاوي و عدم القدرة على المواصلة بنفس النسق , أي لن يملك النفس الطويل على العطاء في غياب عنصر " الـشو الإعلامي الإفتراضي " أي الـ Buzz .
نقطة ذكرتها سابقا , في الجزائر نملك
الكثير من الرابرز لكن قلة منهم يستحق لقب الفنان . و هو الأمر الذي لا يعره
الرابر الجزائري اهتماما بالغا و المستهلك لا يتمتع بالذوق الراقي حتى يفرق بين الجيد
و الرديء
.
مشكلة مستوى الثقافة الفنية لدى الرابر أو
الفنان الجزائري , هو تحصيل حاصل لما ينتجه المجتمع , لكنه ليس عذرا حقيقيا للرابر, أن يصنع من نفسه شخصية فنية مؤثرة على المستمع . و على الرابر الجزائري اليوم أن
يتحلى بالقدر الكافي من الثقافة الفنية و الموسيقية حتى يقدم مستويات أفضل , في
حين أن الراب الجزائري لا تنقصه المواهب أو القدرات بقدر ما تنقصه الإرادة و
التحلي بروح الفن الراقي .
أستمع يوميا إلى الكثير من الأعمال عبر النت , لكنني
ما ألاحظه كثيرا هو تسرع الرابر الجزائري لغزارة الإنتاج قبل إتقان أعمالهم و
ترك الوقت لها حتى يتنسى لهم كشف العيوب التقنية و الفنية . أعمال كان يمكن أن يتم
تركيبها بطرق أكثر احترافية و خاصة نقطة انتبهت لها كثيرا و هي صناعة المقاطع
الرئيسية Hooks, حينما يعجز
أو يسرع الرابر في طرح عمله على النت , يتجاهل تركيب مقطه الرئيسي في الأغنية
كـ"ستايل" جديد , و الأجدر هو الصبر على تأليف مقطع رئيسي لجلب المستمع
أكثر و جعل العمل أكثر احترافية من أن يتم تناوله كفريسطايل عابر , خاصة و إن كان
العمل به نص جيد و تقنيات رائعة . و هذه نقطة بسيطة من الطباع الفنية السيئة التي تؤثر
سلبا على صورة الرابر الجزائري .
الأمر الذي أنبه إليه في كل مرة هو "
التعليم الذاتي " Auto-Didacte , قبل الاعتماد على تقليد الراب من بلدان أخرى , نحن نملك من الإرث
الموسيقي الكثير لتناوله و مزجه بموسيقى الراب الحالية , خاصة و أننا أسسنا مدرسة
الراب الجزائري منذ سنين , هذه المدرسة لا تعني الإيقاعات و الصوتيات القديمة ,
بقدر ما هي قيم و مبادئ أسست عليها .
بقلم : أمين ديزاد راب